التمييز العنصري "الإسرائيلي": دليل المبتدئين (عرض كتاب)

التمييز العنصري "الإسرائيلي": دليل المبتدئين (عرض كتاب)

نشره المركز الفلسطيني للإعلام بتاريخ 25-10-2013

تأليف: الباحث البريطاني بن وايت
عرض: مسلم عمران

رغم أن كشف وتوثيق الجرائم الصهيونية لا يزال عملا نادرا -إن لم يكن محرما (تابو)- في الولايات المتحدة الأمريكية وكثير من الدول الغربية الأخرى، إلا أن الكاتب البريطاني بن وايت يتجاوز تلك المحرمات فيقدم عرضا شاملا للممارسات العنصرية التي ارتكبها ولا يزال يرتكبها الكيان الصهيوني بحق الشعب الفلسطيني.

وينحو الكاتب إلى وصف تلك الممارسات بـ"الفصل العنصري" (Apartheid) مذكرا بممارسات النظام العنصري الأبيض بحق السود في جنوب أفريقيا خلال القرن العشرين.

ورغم أن المؤلفات التي تعالج الانتهاكات الصهيونية لحقوق الشعب الفلسطيني عديدة إلا أن هذا الكتاب يمتاز بعرضه الشامل الموثق والمقتضب أيضا لأبرز الممارسات العنصرية الصهيونية، فقد نجح الكاتب في إخراج الكتاب بصورة موجزة ومبسطة، تناسب القارئ العادي وتفيد القارئ المتخصص.

والكاتب "بن وايت" هو باحث وصحفي بريطاني شاب صدر له خلال السنوات الأخيرة عدة كتب ومقالات تتحدث عن السياسات والممارسات الصهيونية بحق الفلسطينيين.

يحتوي الكتاب على ثلاثة فصول رئيسة، يسبقها فصل تقديمي ويتبعها قسم أسئلة وأجوبة، وهي: الاستقلال "الإسرائيلي"، نكبة الفلسطينيين، عنصرية (أبارتيد) إسرائيل، نحو الاحتواء والسلام- مقاومة العنصرية الإسرائيلية.

يبدأ وايت كتابه بمقدمة تعرف "النظام العنصري" وفقا للمواثيق الدولية فيعرض التعريف الوارد في البند الثاني من قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 3068 الصادر يوم 30 نوفمبر 1973 والمعروف بـ "الوثيقة الدولية للحد من والمعاقبة على جريمة الفصل العنصري"، والذي يعرف جريمة "الأبارتيد" بأنها "سياسات وممارسات التفريق العنصري والتمييز... المرتكبة بهدف إقامة وإدامة هيمنة مجموعة عرقية معينة على أي مجموعة عرقية أخرى وظلمهم بطريقة منظمة".

ورغم كون الشعب الصهيوني خليطا معقدا لا يصلح وصفه بمجموعة عرقية واحدة إلا أن قضية الممارسات المنظمة المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني واضحة في الحالة الصهيونية كما كانت سياسات الأبارتيد الظالمة واضحة في الحالة الجنوب أفريقية.

وينتقل الكاتب من هذا التعريف إلى المقارنة بين الحالة الصهيونية وحالة نظام الأبارتيد في جنوب أفريقيا، فيشير إلى التشابه في طريقة نشأة الكيان الصهيوني والنظام العنصري في جنوب أفريقيا؛ فكلاهما قام على مجموعات من المستوطنين القادمين الأجانب الذين أنشأوا أنظمة خاصة بهم على حساب الشعوب الأصلية. ورغم سوء الحال في جنوب أفريقيا إبان نظام الأبارتيد إلا أن البيض في ذلك النظام -كما يصف رئيس تحرير إحدى الصحف الجنوب إفريقية- لم يسعوا إلى إبادة شاملة للطرف الآخر كما حاول الصهاينة ويحاولون في فلسطين.

أما فيما يخص سماح الكيان الصهيوني للفلسطينيين بإقامة نظام حكم ذاتي فيه انتخابات وبرلمان ومؤسسات شبه حكومية فإن ذلك لا يختلف كثيرا عما كان البيض يسمحون به لمجموعات من الأفارقة حيث حصل بعضهم عبر نظام "البانتوستان" على علم وشرطة وغيرها من ملامح السيادة الشكلية التي لم تغير عمليا من واقع المهانة والحصار الذي الذي عاشه أولئك الأفارقة في أنظمة الحكم الذاتي تلك.

ورغم إشارة الكاتب إلى استخدام كثير من الشخصيات الجنوب أفريقية مثل الأب ديزموند توتو الحائز على جائزة نوبل للسلام وبعض الشخصيات العالمية مثل الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر صاحب كتاب "الأرض المقدسة: سلام لا تمييز عنصري (أبارتيد)" لوصف "الأبارتيد" في حديثهم عن الكيان الصهيوني، إلا أنه يعود ويؤكد على وجود فوارق مهمة بين النظامين بحكم اختلاف الظروف.

أحد أبرز هذه الفوارق هو صغر عدد البيض في جنوب أفريقيا إبان نظام الأبارتيد مقارنة بالأفارقة الأصليين. وفرق آخر مهم هو تجنب الكيان الصهيوني لممارسة التمييز العلني المفضوح بين الصهاينة والفلسطينيين، فلا يوجد مثلا مرافق عامة مكتوب على مداخلها "لليهود فقط" أو  "لغير اليهود".

ولكن الكاتب يعود ليشير إلى ظهور بعض السياسات الصهيونية -مؤخرا- كالتفريق في الشوارع بين الفلسطينيين والمستوطنين الصهاينة في الضفة الغربية والتي لا تختلف كثيرا عن الممارسات العنصرية العلنية لنظام الأبارتيد الجنوب أفريقي. ولا يفوت الكاتب هنا الإشارة إلى علاقة الصداقة الحميمية بين الكيانين الصهيوني والجنوب إفريقي الأبيض على مدى سني حكم البيض في جنوب أفريقيا.

ينتقل الكاتب في الفصل الأول إلى عرض موجز وموثق للجرائم الصهيونية في الفترة السابقة للنكبة والتي أدت إلى قيام الكيان الصهيوني عام 1948م.

ويؤكد الكاتب هنا حقيقة أن الجماعات الصهيونية المسلحة قامت بدءا من عام 1947م واستمرت حتى عام 1953م بارتكاب جرائم التطهير العرقي الممنهجة مما أودى بحياة الآلاف من الفلسطينيين وأدى إلى تهجير مئات الآلاف منهم والذين تم منعهم من العودة إلى أراضيهم فيما بعد.

ويشير الكاتب هنا إلى محورية فكرة "الترانسفير" أو تهجير الفلسطينيين في الأدبيات الصهيونية السابقة للنكبة واللاحقة لها، مما يؤكد على عنصرية هذا الكيان منذ اليوم الأول لنشأته.

ويدحض الكاتب في هذا الفصل مزاعم بعض الساسة الصهاينة بأن الفلسطينيين تركوا أرضهم طوعا مستشهدا ببعض الإحصائيات الرسمية التي تؤكد مقتل قرابة الـ 5000 فلسطيني أثناء محاولتهم العودة إلى ديارهم في الفترة من 1948م حتى 1956م.

ثم يعرج في هذا الفصل إلى النكبة الثانية في العام 1967م والتي ارتكبت "إسرائيل" فيها ممارسات شبيهة بتلك التي مارستها عام 1948م ولكن حدّ من نجاحها هذه المرة اختلاف البيئة الدولية وزيادة وعي الفلسطينيين.

ويختتم الكاتب هذا الفصل بالتأكيد على أن ما يسميه البعض اليوم بـ "استقلال إسرائيل" ما هو إلا نكبة مرة تجرعها الفلسطينيون ولا يزالون يعانون من آثارها حتى الآن.

ينتقل الكاتب في الفصل الثاني إلى الحديث عن أبرز سياسات التمييز العنصري "الإسرائيلية"، ويبدأ عرضه بالإشارة لأوضاع الفلسطينيين في أراضي الـ 1948 والممارسات العنصرية المرتكبة بحقهم.

ويؤكد الكاتب هنا على حقيقة أن "الدولة" الصهيونية هي دولة لبعض سكانها فحسب، فالجنسية "الإسرائيلية" لا تعني المواطنة بأي حال من الأحوال، ودعوى "الديمقراطية اليهودية" هي فرية تناقض نفسها، فكيف تكون دولة ديمقراطية تلك الدولة التي لا تعترف بغير اليهود من مواطنيها؟! 

وليس التمييز العنصري مقتصرا على مفهوم المواطنة فحسب، فالقوانين الصهيونية تجسيد فعلي لعنصرية الكيان الصهيوني. فقانون "العودة" مثلا، يسمح لأي يهودي مهما كان أصله وموطن إقامته بامتلاك الجنسية "الإسرائيلية" والهجرة إلى "إسرائيل" بينما يمنع أصحاب الأرض الأصليين من العودة إلى موطنهم.

وقانون "أملاك الغائبين" الصادر عام 1950م يعتبر أي أرض غاب عنها صاحبها (الفلسطيني) ولو لمدة يوم واحد منذ عام 1947م أرضا مملوكة للدولة! هذا إلى جانب العديد من القوانين الأخرى التي سهلت سرقة ملايين الدونمات من أراضي الفلسطينيين عبر السنين.

أما بالنسبة للمخصصات الحكومية "الإسرائيلية" لعرب 1948 فلم تتجاوز نسبة 0.2-1.5 % من الإنفاق الحكومي بين عامي 1957-1972م رغم تجاوز أعداد فلسطينيي الـ 1948 لنسبة 20% من سكان الكيان الصهيوني. وليس الحال الآن بأفضل من ذي قبل، حيث لم تتجاوز نسبة الإنفاق الحكومي على عرب الـ 1948 في عام 2008 الـ 4% من إنفاق الكيان الكلي!

ينتقل الكاتب بعدها إلى تفصيل الممارسات الصهيونية العنصرية بحق الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة ويجملها في اثنتي عشرة نقطة مهمة هي:
 
1.الاحتلال: حيث تخالف "إسرائيل" باحتلالها لهذه الأراضي كل المواثيق الدولية المعترف بها حتى من أبرز حلفائها. ولكن -برأيي- كل فلسطين أرض محتلة وأيّ ميثاق دولي يغفل تلك الحقيقة يمثل تناقضاً صريحاً مع المبادئ التي قامت عليها منظمة الأمم المتحدة نفسها! 
2.سرقة الأراضي.
3.المستوطنات.
4.الطرق الالتفافية: التي تمثل تفريقا عنصريا واضح المعالم ولا يختلف عما شهدته جنوب أفريقيا إبان حكم البيض!
5.نقاط التفتيش والإغلاق: وهي بالمئات وتهدف لإذلال الإنسان أكثر من أي شيء آخر!
6.جدارالفصل: وقد قضت محكمة العدل الدولية في لاهاي عام 2004 بمخالفة الجدار الصريحة للقوانين الدولية.
7.سرقة القدس: فالمساعي الصهيونية لتهويد القدس ثقافيا وديمغرافيا مستمرة بلا هوادة!
8.المياه: تسيطر "إسرائيل" على قرابة 83% من مصادر المياه الفلسطينية في الضفة الغربية، ولا تختلف خريطة المستوطنات الصهيونية في الضفة الغربية كثيرا عن خريطة الضفة المائية!
9.الاعتقال والتعذيب: بصورة تخالف اتفاقيات جنيف التي وقعت عليها "إسرائيل".
10.تدمير البيوت.
11.الوحشية العسكرية: وليس أقلها قتل الأطفال بدم بارد وغيرها من الجرائم التي قلما يتم توثيقها من قبل الضحايا.
12.تفتيت فلسطين: الناظر إلى ما تبقى من أراضٍ بحوزة الفلسطينيين يشهد خريطة مفتتة لجزر متباعدة من التجمعات الفلسطينية لا يربط بينها سوى بضعة طرق التفافية يسيطر على معابرها الجيش الصهيوني!

أما في الفصل الثالث؛ فيحاول الكاتب توثيق الجهود المتواصلة لمقاومة الممارسات الصهيونية محليا ودوليا. فيتحدث في هذا القسم عن بعض المؤسسات الحقوقية والأهلية ويشير إلى جهودها في فضح الممارسات الصهيونية ومكافحتها ويؤكد على ضرورة دعمها لتستمر في دورها المهم.

 وينتقل الكاتب بعدها للحديث عن حركة التضامن العالمية التي بدأت تعزز من حضورها في المجتمعات الغربية وأبرزها "الحملة العالمية لمقاطعة "إسرائيل" وسحب الاستثمارات الأجنبية منها ومحاصرتها اقتصاديا" أو Boycott-Divest-Sanction.

 ويختم الكاتب هذا الفصل بالإشارة إلى أن أي حل لا يعترف بالنكبة ومآسيها أو يوافق على التعايش مع الكيان الصهيوني العنصري هو حل فاشل ليس له أي فرصة للنجاح. فالطريق الصحيح إلى إنهاء الصراع بنظر الكاتب يبدأ بتفكيك نظام الفصل العنصري "الإسرائيلي"!

 على الرغم من تمكن الكاتب من الإحاطة بأهم الممارسات الصهيونية العنصرية في جميع أنحاء فلسطين التاريخية، إلا أنه عجز عن الخروج بتوصيات مؤثرة لإنهاء هذه الممارسات.

 فالحملة الدولية التي يقودها العديد من النشطاء والهيئات الحقوقية ضد "إسرائيل" ستساهم -قطعا- في فضح الكيان الصهيوني أمام العالم أجمع، إلا أنها لن تتمكن -دون وجود عناصر قوة حقيقية- من إنهاء هذه الممارسات الظالمة أو من القضاء على الكيان. 

هل يا ترى لو كان الفلسطينيون سودا لكانت "إسرائيل" اليوم دولة منبوذة معرضة لحصار اقتصادي تقوده الولايات المتحدة؟! تساؤل ساخر طرحته صحيفة الأوبزيرفر حول موقف الولايات المتحدة والمجتمع الدولي مما يحدث في فلسطين.
ورغم استمرار الممارسات الصهيونية على مدى عقود طويلة، إلا أن صمود الإنسان الفلسطيني ومقاومته الباسلة أفلحت في إفشال كثير من المخططات والمساعي الصهيونية.

ولعل أهم إنجاز يسجله الشعب الفلسطيني أنه أفشل محاولة الصهاينة تحويل فلسطين إلى أندلس أخرى. وبينما لا يزال ميزان القوى الدولي في غير مصلحة الشعب الفلسطيني إلا أن صمود الفلسطينيين مضافا إليه تعاظم الوعي والدعم الدوليين لهم لا بد وأن يكون لهم الأثر الأكبر في قلب معادلة الصراع. 

وختاما، ربما يكون مصطلح "الأبارتيد" مثيرا للجدل، ليس فقط بين معارضيه من الصهاينة وحلفائهم، بل أيضا بين كثير من الفلسطينيين الذين يرفضون قبول مجرد التفكير بحل مستقبلي يبقي بعض المستوطنين الصهاينة على أرض فلسطين. ولكن إثارة هذا المصطلح أو غيره في الأوساط الغربية يبرز حقيقة استمرار معاناة الشعب الفلسطيني عقودا طويلة دونما أي تحرك حقيقي على المستوى الدولي لإنهاء هذه المعاناة وإعادة حقوق الشعب الفلسطيني المسلوبة!

Comments

Popular Posts